الجمعة، 29 أبريل 2011

دكاترة ER





 
في أحد المستشفيات .. صارت وايد أشياء عورت قلبي، و قلت لازم أخلي قلمي يفضفض و يكتب .. أتحسر على الحال اللي وصلت لها على المستوى الشخصي .. و على الحال اللي وصلنا لها احنا على جميع المستويات والأصعدة ..



 
دكاترة ER


 
ارتجفت يداه المتورمة فيما كانت يدي الصغيرة تحضنها، أحدق في جسده الممد تارة، وفي شاشة المراقبة تارة أخرى، أراقب بقلق معدل نبضات القلب و معدل الأكسجين، أتوجس إذا ارتفع الأول و هبط الثاني.. أتحسس التجاعيد التي ملأت يده، و أقبلها، حتى تمتزج بعضا من دموعي بجلده الذي تحول إلى اللون الأزرق..
يتمتم ببعض الكلمات غير المفهومة، ينتفض جسدي و اعتدل في جلستي و أنا أصغي إليه باهتمام :
- ماذا جدي ؟؟ ماذا تريد يا حبيبي ؟؟
بالكاد استطيع أن أستشف بعض الكلمات من لسانه الذي أصبح ثقيلا بسبب الجلطة اللعينة :
- أخرجي السمك من الثلاجة ، وقولي لـ " حسنة" -خادمته- .. قولي لها أن تصنع الغداء..
أعود لأغوص في مقعدي وأنا لا أزال ممسكة بيديه في يدي و أربت عليها بما املك من حنان، يبدو أنه قد رجع إلى الهذيان .. أحول نظري إلى أخي الجالس في المقعد البعيد كالصنم، لا أعرف لماذا هم الذكور سلبيون هكذا!!
مرت دقائق ليرجع إلى أنينه الذي قد أصبح رفيقا له للأيام الثلاثة الماضية، يعتصرني قلبي ألما، وهي أقرب كلمة استطيع أن أصف بها شعوري، فأنحني إليه و أضغط على يده التي لا أريد أن أتركها أبدا :
- حبيبي ، قل لي ما بك ؟؟
يستمر الأنين، و يستمر الألم في جسده و في قلبي، لا يجيبني، ولا اعرف السبب..
يسكت لحظات، فيتذمر تارة من البرد، وتارة من الحر، فأغطيه، أو أسحب عنه الأغطية، ولا أترك يداه أبدا..
يندفع الباب إلى النصف ببطء و خفه، ثم أسمع بعدها طرقا خفيفا.. لا بد أن القادم شخص مهذب جدا! فتح الباب ثم طرقه..
- تفضل !!
و يلج إلى الداخل شخص قصير بمعطف أبيض، ذو ملامح طفولية، يعرف عن نفسه، يلقي نظرة إلى شاشة المراقبة، يخرج سماعاته، يضعها على صدره، و يصدر أصوات همهمة و كأنه يحاور نفسه حول اكتشافاته العظيمة!
يضع يديه على مكان الألم الذي سببته عملية لم يكن لها داع ٍ ، ثم يعود لتلك الهمهمة البلهاء، ينتهي من عمله في صمت ويهم بالخروج، هكذا بكل بساطة ! فأستوقفه بسؤال أبله منه :
- اشلونه الحين يا .. دكتور؟ عرفت ليش يون ؟؟
تبدو على ملامحه الجدية والحزن، ولكن عينيه تكاد تقفز من محجريهما فرحا، لا أدري لماذا !! يضع يديه على جبهته و كأنه يفكر، فيخيل إليك أنك تنظر إلى ابن سينا.. يقترب مني خطوة فأشعر بالخجل بسبب فارق الطول بيننا، إنني أفوقه طولا بمراحل !! ليس بسبب طولي أنا .. بل بسبب قصر طوله هو ..
- النبض عنده شوي مرتفع ، و يحتاج الاكسجين بشكل كبير، لا تشيلون عنه الجهاز..
ثم يشرع في سرد الأدوية المتصلة بجسده عبر الخراطيم الطويلة، فلا أفهم منها شيئا، ولا أريد أصلا أن أفهم، ومن الأفضل لي ألا أفهم !!
يختم حديثه فيلقي إلي بابتسامة سريعة .. و يخرج مسرعا ليطير خلفه رداءه الأبيض وكأنه أحد أبطال القصص الهزلية التي عشقتها في صغري..
ينهض أخي السلبي من مكانه، يقف بجانبي، يعض شفتيه، و يقول بنبرة تحمل قدرا كبيرا من السخرية:
- يحسسونك إنهم دكاترة مسلسل er !!
 
 
3-12-2008